الطلاق الواجب أو المحرّم أو المكروه في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي

الطلاق الواجب أو المحرّم أو المكروه الطلاق من أكثر الموضوعات حساسية وتعقيدًا في الفقه الإسلامي، نظراً لتعلقه بأهم مؤسسة اجتماعية وهي الأسرة، التي تمثل اللبنة الأساسية في بناء المجتمع. وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية جعلت الطلاق حلاً أخيرًا لحالات استحالة الحياة الزوجية، إلا أنها لم تغلق بابه كليًا، بل نظمته بضوابط شرعية صارمة توازن بين حقوق الزوجين ومصلحة المجتمع.

وتنقسم أنواع الطلاق في الفقه الإسلامي إلى عدة تقسيمات، منها التقسيم من حيث الحكم الشرعي، وهو ما سنركز عليه في هذا المقال، حيث يقسم الفقهاء الطلاق – باعتبار حكمه – إلى خمسة أنواع: الطلاق الجائز، الواجب، المحرم، المكروه، والمندوب أو المستحب. وسنخص الحديث هنا عن الأنواع الثلاثة التي تثير الجدل الفقهي والاجتماعي بشكل أوسع، وهي: الطلاق الواجب، والمحرّم، والمكروه، مع بيان تطبيقاتها ضمن النظام السعودي للأحوال الشخصية.

ابشر بعزك نحن في خدمتك
فقط املئ البيانات
وسوف نتواصل معك

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

أولًا: الطلاق الواجب

تعريف الطلاق الواجب

الطلاق الواجب هو الطلاق الذي يأثم الزوج بتركه، ويكون مفروضًا عليه في بعض الحالات التي لا يجوز فيها استمرار الحياة الزوجية، وتكون مصلحة الطرفين أو أحدهما، أو حتى المجتمع، متوقفة على وقوع الطلاق.

متى يكون الطلاق واجبًا؟

ذكر الفقهاء عددًا من الحالات التي يكون فيها الطلاق واجبًا، وأشهرها:

  1. عدم النفقة: إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته، ولم يكن معسرًا ولا معذورًا، وطلبت الزوجة الطلاق، وجب عليه تطليقها، فإن لم يفعل، تولّى القاضي التفريق بينهما.
  2. الضرر أو الشقاق: إذا ثبت لدى القاضي الشرعي أن الزوج يضر بزوجته ضررًا لا يُحتمل، سواء كان ذلك بالضرب، أو السب، أو الإهانة، أو الحرمان العاطفي، جاز بل وجب التفريق بينهما.
  3. اليمين على الامتناع من الوطء (الإيلاء): إذا حلف الزوج ألا يقرب زوجته ولم يفيء خلال أربعة أشهر، وجب عليه الطلاق أو يُطلّق قضاءً.
  4. إذا أسلم أحد الزوجين: وخاصة إذا كانت المرأة مسلمة وزوجها غير مسلم ورفض الدخول في الإسلام، فالطلاق يكون واجبًا.

موقف النظام السعودي

النظام السعودي المستمد من الشريعة الإسلامية يعتبر الطلاق في مثل هذه الحالات من الضروريات، ويمنح المرأة حق رفع دعوى للتفريق إذا توافرت شروطه. فمثلاً، في حال امتناع الزوج عن النفقة، فإن المحكمة قد تحكم بالتفريق لصالح الزوجة، ويكون الطلاق في هذه الحالة واجبًا شرعًا.


ثانيًا: الطلاق المحرّم

تعريف الطلاق المحرّم

الطلاق المحرّم هو الذي يقع بطريقة أو في وقت نهى عنه الشرع، ويأثم فاعله، مع الأخذ بالاعتبار أن بعض أنواع الطلاق المحرّم تقع رغم تحريمها، وبعضها لا يقع.

صور الطلاق المحرّم

  1. الطلاق في الحيض: وهو أن يُطلق الرجل زوجته وهي في فترة الحيض. وهذا الطلاق محرّم باتفاق العلماء، لأنه طلاق في وقت لا يجوز فيه الطلاق.
  2. الطلاق في طهر جامع فيه: إذا طلقها في طهر واقعها فيه ولم يتبين حملها، فإنه آثم، لأنه طلاق في طهر غير مأمون أن تكون المرأة فيه حاملًا.
  3. الطلاق البدعي: وهو أن يطلق الرجل زوجته ثلاثًا دفعة واحدة بلفظ واحد مثل قوله: “أنت طالق ثلاثًا”، وهذا مخالف للسنة، ومحرم، لأنه يخالف منهج الطلاق الشرعي المتمثل في التروي والطلاق على فترات.
  4. الطلاق في حال الغضب الشديد: إذا طلق الرجل زوجته في حال فقدانه للوعي أو الإدراك من شدة الغضب، فإنه يكون قد ارتكب أمرًا محرمًا، بل وقد لا يقع الطلاق أصلاً إذا ثبت عدم توافر الإدراك.

الحكم الفقهي

اتفق جمهور العلماء على أن الطلاق المحرّم يأثم به الزوج، لكنهم اختلفوا في وقوعه:

  • الحنفية والمالكية والحنابلة: يرون وقوعه مع الإثم.
  • الشافعية وبعض المعاصرين: لا يرونه واقعًا في بعض الحالات، كطلاق الحيض أو الطلاق في الغضب الشديد.

موقف النظام السعودي

يعتمد النظام السعودي على رأي الجمهور غالبًا، ويرى وقوع الطلاق المحرم في الحيض أو الطهر الذي جامع فيه، لكنه يقر بعدم ترتب الأثر في بعض الحالات الخاصة كالغضب الشديد جدًا الذي يُذهب العقل، بشرط الإثبات. كما يعاقب الزوج الذي يتعمد الطلاق البدعي في بعض الحالات، ويُعتبر مخالفًا للأعراف الشرعية.


ثالثًا: الطلاق المكروه

تعريف الطلاق المكروه

الطلاق المكروه هو الطلاق الذي لا يُستحب فعله شرعًا، ويُفضّل تجنبه، مع كونه جائزًا من حيث الأصل. ويقع هذا النوع من الطلاق في الحالات التي لا توجد فيها مبررات شرعية أو أخلاقية قوية تستدعي إنهاء العلاقة الزوجية.

صور الطلاق المكروه

  1. طلاق من غير سبب وجيه: أن يُطلق الرجل زوجته دون أن يكون هناك خلل أو ضرر في الحياة الزوجية.
  2. طلاق المرأة الصالحة: أن يُطلق الرجل زوجته وهي ذات خُلق ودين، فقط لرغبته في التعدد أو تغيير الحال.
  3. الطلاق بعد الزواج بمدة قصيرة: خاصة عندما يكون هناك انسجام نسبي بين الطرفين، ولكن يُقدم أحدهما على الطلاق بدافع نزوة أو استعجال.

أقوال الفقهاء

  • ذهب جمهور العلماء إلى كراهة الطلاق من غير سبب مشروع.
  • روي عن النبي ﷺ قوله: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” – وهو حديث ضعيف من حيث السند، لكنه يحمل معنًى معتبرًا شرعًا.

موقف النظام السعودي

لا يمنع النظام السعودي هذا النوع من الطلاق، طالما توفرت الأركان والشروط، لكنه لا يشجع عليه في الأدبيات القضائية والإرشادية. كما تسعى جهات الإصلاح الأسري إلى تقليل هذا النوع من الطلاق عبر برامج التوعية والتأهيل الأسري.


الفرق بين الطلاق الواجب، والمحرّم، والمكروه

المعيارالطلاق الواجبالطلاق المحرّمالطلاق المكروه
الحكم الشرعيواجبمحرّممكروه
الإثميأثم بتركهيأثم بفعلهيُثاب على تركه
الوقوعيقع قضاءًيقع عند الجمهوريقع
السببضرر أو امتناع عن حقوقطلاق في وقت محظور أو بطريقة غير شرعيةطلاق بدون مبرر
موقف القضاء السعودييُحكم به جبريًا في بعض الحالاتيعترف به مع الإثملا يمنع وقوعه

الطلاق بين التشريع والواقع

في الواقع العملي، يصعب أحيانًا تصنيف الطلاق مباشرة تحت نوع معين، إذ تختلف الدوافع والظروف. فمثلاً، قد يكون الطلاق في ظاهره مكروهًا، لكنه في باطنه واجبًا إذا تبيّن ضرر خفي أو خيانة أو تقصير غير ظاهر. لذلك، يؤكد علماء الشريعة على أهمية النية والقرائن في الحكم على كل حالة على حدة.


دور القاضي الشرعي في التمييز بين الأنواع

يلعب القاضي في النظام السعودي دورًا كبيرًا في تقييم الحالات وفهم ظروفها، ويملك صلاحية تقديرية لفصل النزاع، والتفريق بين الزوجين إذا لزم الأمر، خاصة في حالات الطلاق الواجب. كما يمكنه التأني في إصدار الحكم إذا اشتبه في وجود طلاق محرم أو مكروه، لإعطاء فرصة للمصالحة.


خاتمة

الطلاق باعتباره أحد أوجه إنهاء العلاقة الزوجية يجب أن يُمارس ضمن إطار من الفهم الشرعي والوعي الاجتماعي. فليس كل طلاق جائز محمود، وليس كل طلاق محرّم باطل. بل إن التصنيف الفقهي لأنواع الطلاق – خاصة الطلاق الواجب، والمحرّم، والمكروه – يعكس حرص الشريعة الإسلامية على موازنة حقوق الزوجين مع مصلحة الأسرة والمجتمع.

وقد جاءت الأنظمة القضائية السعودية لتُترجم هذه الأحكام إلى واقع عملي، يسمح بحماية الحقوق، وتنظيم العلاقة الأسرية، والحد من الطلاق غير المبرر، ما يساهم في استقرار المجتمع.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لطلب استشارة