أنواع الطلاق باعتبار حكمه: الطلاق الجائز والطلاق المحظور في النظام السعودي

أنواع الطلاق باعتبار حكمه: الطلاق الجائز والطلاق المحظور في النظام السعودي الطلاق في الشريعة الإسلامية ليس أمرًا عبثيًا أو وسيلة للانتقام أو تصفية الحسابات، بل هو تشريع إلهي أقرّه الإسلام كحلٍ أخير عندما تفشل كل محاولات الإصلاح بين الزوجين. وقد أولى الإسلام أحكام الطلاق عناية بالغة، من حيث أسبابه، وآثاره، وأنواعه، وشروطه، وحُكمه الشرعي.
وباعتبار الحكم الشرعي للطلاق، انقسم الفقهاء إلى تقسيمات دقيقة. فهناك طلاق جائز شرعًا، وآخر مكروه، وثالث محرم أو محظور. أما في النظام القضائي السعودي، فقد تم اعتماد هذه الأحكام الفقهية وتفعيلها ضمن سياق تشريعي منضبط يوازن بين الشريعة ومصلحة المجتمع.
في هذا المقال، سنناقش بالتفصيل:
- مفهوم الطلاق باعتبار الحكم الشرعي.
- أنواع الطلاق من حيث الحكم: الجائز والمحظور.
- التطبيق العملي لهذا التصنيف في القضاء السعودي.
- معايير التمييز بين الطلاق المشروع وغير المشروع.
- الجوانب الاجتماعية والفقهية والنظامية المترتبة على كل نوع.
ابشر بعزك نحن في خدمتك
فقط املئ البيانات
وسوف نتواصل معك
أولًا: تعريف الطلاق وحكمه في الشريعة الإسلامية
الطلاق لغة وشرعًا
الطلاق في اللغة يعني الإطلاق والتخلية، أما في الاصطلاح الشرعي، فهو: حل عقد الزواج بلفظٍ صريح أو كناية مع النية، من قِبل الزوج أو وكيله، وفقًا لضوابط محددة.
وقد شرع الإسلام الطلاق رغم كونه من أبغض الحلال، لما يترتب عليه من انفكاك الأسر، لكنه جعله علاجًا أخيرًا للأزمات الزوجية التي لا تُحلُّ بالصلح أو التفاهم.
قال رسول الله ﷺ:
“أبغض الحلال إلى الله الطلاق” (رواه أبو داود وابن ماجه).
هذا الحديث يدل على كراهة الطلاق إن كان لغير سبب شرعي، وإن كان جائزًا من حيث الأصل.
ثانيًا: أنواع الطلاق باعتبار الحكم الشرعي
يمكن تصنيف الطلاق بناءً على الحكم التكليفي الشرعي إلى الأنواع الآتية:
- الطلاق الجائز أو المشروع
- الطلاق المحظور أو الممنوع شرعًا
وسنتناول كل نوع بالتفصيل من حيث المفهوم، الشروط، الأمثلة، والأحكام النظامية في السعودية.
أولًا: الطلاق الجائز (المشروع)
مفهوم الطلاق الجائز
هو الطلاق الذي يتم وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، ويتحقق عند وجود سبب معتبر شرعًا، ووفقًا للإجراءات الشرعية والزمان الصحيح، أي في طُهرٍ لم يجامع فيه الزوج زوجته.
وقد اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على مشروعية هذا النوع من الطلاق، بشرط أن تتوافر فيه الضوابط الشرعية وألا يكون طلاقًا عبثيًا أو بدافع الغضب غير المبرر.
أنواعه حسب نية الزوج وظروف الطلاق:
- طلاق الحاجة:
عندما تصبح الحياة الزوجية مستحيلة أو مليئة بالأذى النفسي والجسدي، فيجوز للزوج تطليق زوجته حفاظًا على الكرامة ورفع الضرر. - الطلاق الإصلاحي:
يستخدم أحيانًا كوسيلة لتأديب الزوجة أو الحد من سلوكيات خاطئة، شريطة ألا يكون فيه ظلم أو تعسف. - الطلاق بعد فشل الوساطة:
يُلجأ إليه بعد استنفاد كافة السبل في الإصلاح بين الزوجين، كالتدخل الأسري أو القضائي أو من خلال مراكز الإرشاد الأسري.
شروط الطلاق الجائز:
- أن يكون الطلاق في طُهرٍ لم تُجامع فيه الزوجة.
- أن يكون عن وعي واختيار، لا تحت إكراه أو سكر أو غضب شديد.
- أن يكون الطلاق بلفظ واضح أو نية مقرونة باللفظ.
- أن يكون الطلاق لمصلحة، سواء للزوج أو للزوجة أو للأبناء.
حكمه في النظام السعودي:
النظام القضائي السعودي يُقر هذا النوع من الطلاق باعتباره طلاقًا صحيحًا شرعيًا، ويُوثَّق في المحكمة المختصة، ولا يُعرض الزوج لأي عقوبة قانونية إذا ثبت أن الطلاق وقع وفقًا للأصول الشرعية.
وغالبًا ما يتم إثبات هذا الطلاق من خلال حضور الزوج أمام المحكمة، أو عبر توثيق الطلاق في نظام وزارة العدل، ولا تُشترط موافقة الزوجة على الطلاق في هذه الحالة، لكنها تستفيد من حقوقها بعد الطلاق، مثل: النفقة، المتعة، الحضانة، العدة، إلخ.
ثانيًا: الطلاق المحظور (الممنوع شرعًا)
مفهوم الطلاق المحظور
هو الطلاق الذي يقع على وجهٍ يخالف الضوابط الشرعية، سواء من حيث التوقيت، أو النية، أو الظلم الواقع فيه، أو الغرض غير المشروع من إيقاعه.
ويعتبر هذا النوع من الطلاق حرامًا أو مكروهًا تحريميًا، وإن كان يقع أحيانًا عند جمهور الفقهاء، لكنه يُؤثم فاعله، ويعتبر تعديًا على حدود الله.
أنواع الطلاق المحظور:
1. الطلاق في الحيض أو النفاس
- إذا طلّق الزوج زوجته وهي حائض أو نفساء، فقد ارتكب معصية، لأن الشرع نهى عن ذلك صراحة.
- قال عبد الله بن عمر: طلقت زوجتي وهي حائض، فأمره النبي ﷺ أن يراجعها حتى تطهر، ثم يطلقها إن شاء.
2. الطلاق في طهر جامعها فيه
- الطلاق في هذا الوقت يُعد محرمًا لأنه يؤدي إلى خلط في العدة، وقد تكون الزوجة حاملًا ولا يُعرف ذلك.
3. الطلاق الثلاث بلفظ واحد
- كأن يقول الرجل: “أنتِ طالق بالثلاث”، وهذا يُعتبر من الطلاق البدعي المحرم.
- جمهور العلماء يرونه واقعًا، لكن بعضهم (كابن تيمية) لا يوقعه كله دفعة واحدة.
4. الطلاق التعسفي
- عندما يُطلّق الزوج زوجته دون سبب معتبر، أو بقصد الإضرار بها.
- في النظام السعودي، يعرض الزوج نفسه للمساءلة في حال ثبت أن الطلاق تعسفي، خصوصًا إذا كانت الزوجة متضررة.
5. الطلاق أثناء المرض المخوف بقصد حرمان الزوجة من الإرث
- يُعد هذا الطلاق محرمًا، وتُعتبر الزوجة وارثة في هذه الحالة حسب كثير من الفقهاء.
حكم الطلاق المحظور في النظام السعودي:
- النظام السعودي، المستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، يعترف بوقوع الطلاق المحظور لكنه لا يبيحه.
- يُسجل هذا الطلاق رسميًا، لكن قد يترتب عليه حقوق تعويضية للزوجة إذا أثبتت المحكمة وجود ظلم أو تعسف.
- تنظر المحكمة أيضًا في مدى مشروعية الطلاق من حيث الزمان والنية، وقد ترفض توثيق الطلاق في بعض الحالات حتى يتم التحقيق.
ثالثًا: معايير التفريق بين الطلاق الجائز والمحظور
المعيار | الطلاق الجائز | الطلاق المحظور |
---|---|---|
التوقيت | في طُهر لم يُجامع فيه الزوج زوجته | في حيض أو نفاس أو طُهر جامع فيه |
النية | بقصد رفع الضرر أو الإصلاح أو لضرورة | بقصد الإضرار أو العبث أو الانتقام |
الأسلوب | لفظ صريح مرة واحدة | الطلاق الثلاث جملة واحدة |
المآل | يُراعى فيه مصلحة الأسرة | يؤدي إلى ظلم أو إضرار بأحد الزوجين |
الحكم الشرعي | جائز أو مباح | محرم أو مكروه تحريمي |
حكم القضاء السعودي | يُوثّق ويُقر | يُوثق مع إمكانية مساءلة الزوج أو تعويض الزوجة |
رابعًا: تطبيقات قضائية في السعودية
1. تدخل المحكمة في الطلاق المحظور
- في حال رفع الزوجة دعوى على طلاق تم في الحيض، قد تأمر المحكمة برد الطلاق أو تؤخر توثيقه.
- إذا تم الطلاق بقصد الحرمان من الميراث، قد تحكم المحكمة بأن الطلاق لا يمنع الإرث.
2. تعويض الزوجة عند الطلاق التعسفي
- في بعض الحالات، يتم تعويض الزوجة بمبلغ مالي، أو يُمنحها القاضي حق الحضانة الكاملة، أو يُلزم الزوج بالنفقة الممتدة.
3. دور لجان الإصلاح الأسري
- لا يُستعجل في إتمام الطلاق إلا بعد المرور على لجان الإصلاح الأسري، خاصة في الطلاق المحظور أو المعقد.
خامسًا: البُعد الاجتماعي والأخلاقي لتصنيف الطلاق
تصنيف الطلاق إلى جائز ومحظور ليس فقط مسألة فقهية، بل هو وسيلة لحماية الأسرة من التلاعب بالعلاقة الزوجية.
ففي الطلاق الجائز:
- تُحفظ كرامة الطرفين.
- يُراعى فيه مصلحة الأبناء.
- يُمنح الطرفان فرصة للتراضي.
أما الطلاق المحظور:
- فيُنتج آثارًا سلبية نفسية واجتماعية.
- يؤدي إلى تفكك الأسر، وتضرر الأطفال.
- ويشيع الفوضى في العلاقات الأسرية، خصوصًا إذا لم تُنظم بالشرع والنظام.
خاتمة
التمييز بين الطلاق الجائز والمحظور في الشريعة الإسلامية وفي النظام السعودي هو ضرورة شرعية وقانونية، تهدف إلى حماية الأسرة واستقرار المجتمع. فالطلاق الجائز يأتي عندما تُغلق الأبواب، أما المحظور فيقع نتيجة تهور أو نية فاسدة أو تعسف من الزوج.
ولذلك، يُشجَّع الأزواج في المملكة العربية السعودية على اتباع الوسائل المشروعة، واللجوء إلى المحاكم الشرعية عند الحاجة، وعدم التسرع في اتخاذ قرار الطلاق. كما أن القوانين السعودية تسير في خطى متوازنة تحمي الطرف الأضعف، وتحفظ الحقوق وفقًا للشريعة.
في النهاية، تبقى الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وأي تهديد لها مثل الطلاق غير المشروع، يجب أن يُواجه بالتشريع، والإرشاد، والتوعية، وهذا ما تقوم به المملكة عبر مؤسساتها العدلية والاجتماعية والدينية.