متى يسقط حق المطلقة في السكن؟

متى يسقط حق المطلقة في السكن؟ تُعد قضايا الطلاق من أكثر القضايا تعقيدًا من الناحية القانونية والاجتماعية والإنسانية، إذ تتجاوز حدود انفصال زوجين لتلامس أمن واستقرار أفراد آخرين، وعلى رأسهم الأطفال. وبينما تختلف أبعاد الطلاق من حالة لأخرى، تبقى مسألة السكن بعد الطلاق من أبرز النقاط التي تثير الجدل والنزاعات، خصوصًا إذا كانت المرأة هي الحاضنة للأطفال.

وإذا كانت القوانين قد كفلت للمطلقة حقها في السكن بعد الطلاق في ظروف معينة، فإنها بالمقابل حددت أيضًا متى يسقط هذا الحق، وهو ما سنقوم بتفصيله وشرحه في هذا المقال من منظور شرعي وقانوني واجتماعي، مع رصد الممارسات القضائية المعمول بها في المملكة العربية السعودية.

ابشر بعزك نحن في خدمتك
فقط املئ البيانات
وسوف نتواصل معك

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

أولًا: تعريف حق السكن بعد الطلاق

حق السكن بعد الطلاق هو أحد الحقوق المرتبطة إما بفترة العدة أو بـ حضانة الأطفال.

بعبارة أخرى، فإن حق المطلقة في السكن إما أن يكون:

  1. حقًا شرعيًا مؤقتًا أثناء العدة، إذا كان الطلاق رجعيًا.
  2. حقًا قانونيًا بسبب الحضانة، إذا كانت الأم هي الحاضنة للأبناء.

وهذا يعني أن المرأة لا تملك حقًا تلقائيًا أو دائمًا في السكن بعد الطلاق، بل يتوقف الأمر على ظروف الحالة، كنوع الطلاق، وجود الأطفال، حالتها المادية، وغير ذلك.


ثانيًا: مصادر حق السكن في الشريعة والنظام السعودي

يرتكز حق السكن بعد الطلاق في المملكة العربية السعودية على:

  • الشريعة الإسلامية: وهي المرجعية الأساسية لجميع الأنظمة القضائية في المملكة.
  • نظام الأحوال الشخصية (الصادر عام 2022): والذي نظم الحقوق والواجبات بعد الطلاق، وبيّن شروط استحقاق السكن للمطلقة الحاضنة.

وتبعًا لهذين المصدرين، فإن المرأة المطلقة لا تُمنح حق البقاء في السكن بعد الطلاق إلا في حالات معينة، ويُسقط عنها هذا الحق في حالات أخرى.


ثالثًا: متى تستحق المطلقة السكن؟

يُقر النظام السعودي للمطلقة الحق في السكن في الحالات التالية:

  1. خلال العدة في الطلاق الرجعي: لأن المطلقة ما زالت في حكم الزوجة.
  2. إذا كانت حاملاً: سواء في طلاق رجعي أو بائن، فلها حق السكن والنفقة حتى تضع حملها.
  3. إذا كانت حاضنة للأطفال القصر: شريطة ألا يتوفر لها سكن بديل مناسب.

ويُشترط أن يكون السكن ملائمًا لحالة المحضونين، وأن يكون قريبًا من الخدمات التعليمية والصحية، ويُراعى فيه وضع الأسرة ما قبل الطلاق.


رابعًا: متى يسقط حق المطلقة في السكن؟

رغم أن السكن حق مُعترف به في حالات معينة، إلا أن هناك ظروفًا تؤدي إلى سقوط هذا الحق عن المطلقة. وأبرز هذه الحالات تشمل:

1. زواج المطلقة بعد الطلاق

تُعد هذه من أبرز الحالات التي يسقط فيها حق المطلقة في السكن، خاصة إذا كانت الحاضنة للأطفال:

  • إذا تزوجت المطلقة من رجل آخر، فإن الحضانة تنتقل عادة للأب أو لغيره من أولياء الطفل.
  • ومع سقوط الحضانة، يسقط تلقائيًا حق السكن المرتبط بها.
  • ذلك لأن السكن يُمنح أساسًا من أجل الطفل، فإذا لم تعد الأم حاضنة، فلا حاجة لبقائها في السكن.

2. انتهاء مدة العدة

  • في حالة الطلاق الرجعي، يكون للمرأة حق السكن خلال فترة العدة فقط.
  • وبانتهاء العدة، يسقط حق السكن تلقائيًا إذا لم تكن حاضنة أو حاملاً.

3. وجود سكن بديل مناسب

  • إذا ثبت أن المطلقة تملك سكنًا آخر مناسبًا لها ولأطفالها (عقار مملوك، أو مؤجر، أو مقدَّم من أسرتها)، فإن المحكمة قد تسقط عنها حق السكن.
  • هنا لا يُلزم الزوج بتوفير مسكن إضافي.

4. بلوغ الأطفال سن انتهاء الحضانة

  • بمجرد أن يبلغ الأطفال السن القانوني للحضانة (عادة 15 سنة)، فإن الحضانة تنتقل إليهم لاختيار الإقامة.
  • وبانتهاء الحضانة، ينتهي حق السكن تلقائيًا لأن السكن كان تابعًا للحضانة لا للزواج.

5. سقوط الحضانة عن الأم

  • في حال الحكم قضائيًا بسقوط الحضانة عن الأم (بسبب الإهمال، التعنيف، أو عدم الأهلية)، فإن حق السكن يسقط مباشرة.
  • لأن النظام لا يمنح السكن إلا للحاضنة فقط، مراعاةً لمصلحة الأطفال.

6. انتقال الأم إلى منطقة غير مناسبة

  • إذا قررت الأم الانتقال بأطفالها إلى منطقة نائية أو غير آمنة أو تضر بمصلحتهم، فقد يُحكم بسحب الحضانة.
  • وبالتالي يسقط معها حق السكن.

7. امتناع الأم عن السكن مع الأطفال

  • إذا رفضت المطلقة الحاضنة السكن مع أطفالها، أو أسكنت غيرهم معهم، فإنها تفقد الغرض الأساسي الذي بُني عليه حق السكن، مما يؤدي إلى سقوطه.

خامسًا: هل تسقط ملكية المطلقة للشقة عند سقوط السكن؟

السؤال الأهم هنا: إذا سقط عن المطلقة حق السكن، فهل يعني ذلك فقدان ملكيتها للشقة؟

الإجابة: لا.

  • السكن والملكية أمران منفصلان.
  • إذا كانت الشقة مملوكة باسم المطلقة، فتبقى ملكيتها قائمة، حتى لو سقط حق السكن للزوج أو للأطفال.
  • أما إذا كانت مملوكة باسم الزوج، فيجب على المطلقة مغادرتها بعد سقوط سبب الحضانة أو العدة.

سادسًا: موقف القضاء السعودي من دعاوى السكن

أظهرت ممارسات المحاكم السعودية حرصًا على موازنة العدالة بين الطرفين. ومن أبرز المواقف القضائية:

  • منح السكن للمطلقة الحاضنة فورًا بعد الطلاق، شريطة عدم توفر سكن بديل.
  • رفض دعاوى السكن من مطلقات غير حاضنات أو متزوجات حديثًا.
  • إلزام الزوج بدفع بدل إيجار إذا كان توفير السكن غير ممكن ماديًا.
  • إخلاء المطلقة للشقة بعد انتهاء الحضانة أو زواجها، وتثبيت حق الزوج في استرجاع ملكه.

سابعًا: آثار سقوط حق المطلقة في السكن

عندما يسقط حق السكن، تواجه المطلقة عدة تحديات، منها:

  • الانتقال إلى سكن جديد بموارد محدودة.
  • انقطاع الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال في حال نقلهم مع الأم أو عزلهم عنها.
  • احتمال فقدان المأوى إذا لم يكن لها دخل أو دعم أسري.

وهنا تظهر أهمية وجود بدائل داعمة من الدولة والمجتمع، مثل:

  • برامج الإسكان التنموي.
  • مساعدات الجمعيات الخيرية.
  • دعم إيجار من الضمان الاجتماعي.

ثامنًا: كيف تحمي المطلقة حقها في السكن؟

إذا كانت المرأة لا تزال تستوفي الشروط القانونية، فعليها:

  1. طلب صك الحضانة من المحكمة الشرعية.
  2. رفع دعوى طلب سكن أو بدل إيجار من خلال منصة “ناجز”.
  3. تقديم ما يُثبت عدم توفر سكن بديل.
  4. طلب تنفيذ الحكم في حال صدوره، والتوجه لقاضي التنفيذ عند تعنت الطرف الآخر.
  5. تقديم بلاغ في حال التهديد أو الضغط لإخلاء السكن، باعتبار ذلك نوعًا من الإيذاء الأسري.

تاسعًا: التوصية

إن حق المطلقة في السكن ليس دائمًا، بل هو حق مقيد بالحضانة أو العدة أو الحمل.

ويسقط هذا الحق في حال:

  • زواج المطلقة.
  • انتهاء العدة.
  • بلوغ الأطفال سن الحضانة.
  • وجود سكن بديل.
  • سقوط الحضانة لأي سبب قانوني.

لذا فإن المطلقة يجب أن تدرك أن السكن لا يُمنح لمجرد الطلاق، وإنما يُرتبط بمصلحة الأبناء أو بحقوق شرعية مؤقتة.

ومع تطور النظام العدلي في السعودية، أصبح من السهل إثبات الحق أو إسقاطه عبر إجراءات إلكترونية وقانونية واضحة.


خاتمة

قضية السكن بعد الطلاق تتجاوز كونها قضية ملكية أو حق إقامة، لتُصبح قضية تتعلق بالأمان الأسري، واستقرار الأبناء، وكرامة المرأة.

وقد كفل النظام السعودي للمطلقة حق السكن في حالات محددة بدقة، كما نص على متى يسقط هذا الحق بوضوح، تحقيقًا للعدالة والتوازن.
وحتى بعد سقوط الحق، لا تُترك المطلقة وحدها، بل توجد بدائل داعمة رسمية وخيرية ينبغي التوسع فيها، وتوعية النساء بحقوقهن بشأنها.

إن فهم شروط السكن وضوابطه، لا يمنح المطلقة فقط أدوات قانونية للدفاع عن نفسها، بل يُساهم أيضًا في تقليل النزاعات القضائية وتحقيق حلول إنسانية متوازنة تحفظ كرامة جميع أفراد الأسرة.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لطلب استشارة