هل يجب على الزوج توفير السكن للزوجة بعد الطلاق؟ – نظرة شاملة وفق النظام السعودي

توفير السكن للزوجة بعد الطلاق يُعد السكن من أهم مقومات الحياة الكريمة، ولا سيّما في مرحلة ما بعد الطلاق، حيث تُصبح المرأة المطلقة بحاجة إلى استقرار نفسي ومكاني، خاصة إن كانت حاضنة لأطفال. وهنا يبرز سؤال جوهري: هل يجب على الزوج توفير السكن للزوجة بعد الطلاق؟
في المملكة العربية السعودية، خضع هذا الموضوع لتطورات ملحوظة في ظل صدور نظام الأحوال الشخصية الجديد، الذي جاء ليوضح الحقوق والواجبات بعد الطلاق، مع التركيز على العدالة وحماية مصالح الطفل والمرأة.
في هذا المقال، نستعرض هذه المسألة من كافة جوانبها: الشرعية، القانونية، القضائية، والاجتماعية، لتوضيح ما إذا كان الزوج ملزمًا قانونًا بتوفير السكن، ولمن يُمنح هذا الحق، وبأي شروط.
ابشر بعزك نحن في خدمتك
فقط املئ البيانات
وسوف نتواصل معك
أولًا: السكن في الشريعة الإسلامية بعد الطلاق
الشريعة الإسلامية تناولت موضوع سكن المطلقة بالتفصيل، وميزت بين حالات الطلاق:
1. المطلقة الرجعية
في حالة الطلاق الرجعي (الطلاق الأول أو الثاني دون أن يكمل عدد الطلقات الثلاث)، تُعد الزوجة لا تزال في حكم الزوجة خلال العدة، وبالتالي:
- يجب على الزوج الإنفاق عليها وتوفير السكن.
- لا يجوز له إخراجها من البيت حتى تنتهي العدة.
- قال تعالى: “لا تُخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة” [الطلاق: 1].
2. المطلقة البائن (بطلقة ثالثة أو خلع أو طلاق على عوض)
في هذه الحالة لا تعود المرأة زوجة، لكن:
- إن كانت حاملاً، فلها حق السكن والنفقة حتى تضع حملها.
- وإن لم تكن حاملاً، فلا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت حاضنة لأطفال.
3. الحاضنة
في جميع الحالات، إذا كانت المطلقة حاضنة لأطفال، فإن لها حق السكنى باعتبارها حاضنة لا باعتبارها زوجة، وهو ما يفصل فيه النظام السعودي.
ثانيًا: تنظيم حق السكن في النظام السعودي
صدر نظام الأحوال الشخصية الجديد في السعودية عام 2022، ليعالج قضايا الأسرة بشكل واضح وحديث، ومن أبرز مواده:
المادة (79):
تنص على أن الحاضن سواء كان الأم أو الأب، له أن يطلب من القاضي إلزام الطرف الآخر بتوفير سكن مناسب للحاضن مع المحضونين، ما لم يكن السكن متوافرًا فعليًا.
المادة (80):
يجوز للقاضي أن يحكم بدل سكن نقدي في حال تعذر توفير السكن أو كان الأنسب ماليًا للطرفين.
المادة (83):
في حال كانت الزوجة غير حاضنة، لا يلزم الزوج بتوفير السكن لها بعد الطلاق إلا أثناء عدة الطلاق الرجعي أو في حال الحمل.
المادة (85):
يجوز للمحكمة أن تُحمّل الزوج نفقة السكن والأطفال دفعة واحدة مع النفقة العامة.
ثالثًا: متى يلزم الزوج بالسكن؟
يُلزم الزوج بتوفير السكن في الحالات التالية:
الحالة | هل يلزم بالسكن؟ | المبرر |
---|---|---|
الطلاق الرجعي | نعم | الزوجة ما زالت في حكم الزوجة |
الطلاق البائن والحمل قائم | نعم | لحين الولادة، وفقًا للآية |
المطلقة الحاضنة لأطفال | نعم | لحضانة الأبناء وليس كزوجة |
المطلقة بدون أطفال أو حمل | لا | لا توجد مسؤولية تجاهها |
رابعًا: كيفية تنفيذ حكم السكن في المحاكم السعودية
عند رفع الزوجة دعوى تطلب فيها إلزام طليقها بتوفير السكن، تمر الإجراءات عبر الخطوات التالية:
- رفع الدعوى عبر بوابة “ناجز”.
- تحديد نوع الدعوى (طلب سكن حاضنة).
- إرفاق مستندات مثل صك الطلاق وصك الحضانة.
- جلسات عبر المحكمة الأسرية للنظر في الأدلة والظروف.
- إصدار الحكم إما بتوفير سكن فعلي أو مبلغ بدل سكن شهري.
وفي حال امتناع الأب، تُحال القضية إلى قاضي التنفيذ لتطبيق العقوبات مثل:
- الحجز على الراتب.
- المنع من السفر.
- إيقاف الخدمات.
خامسًا: تقدير بدل السكن
تقدير بدل السكن يتم وفق عدة معايير:
- دخل الأب: فكلما زاد دخله، زاد التزامه.
- عدد الأطفال: يحدد حجم السكن واحتياجاته.
- موقع السكن المطلوب: حيث يراعى أن يكون قريبًا من المدارس وأماكن الخدمات.
وقد تحكم بعض المحاكم بمبلغ شهري يتراوح بين 1000 إلى 3000 ريال بدل سكن، حسب ظروف الحالة.
سادسًا: الفرق بين السكن والنفقة
من المهم التفريق بين:
- النفقة: تشمل الغذاء، الملبس، التعليم، العلاج.
- السكن: يُعتبر من النفقة لكنه يُعالج قضائيًا بشكل مستقل لتقدير قيمته أو توفيره عينيًا.
سابعًا: نماذج من الواقع القضائي السعودي
1. حكم بتوفير سكن في جدة
في إحدى القضايا بمحكمة الأحوال الشخصية في جدة، ألزمت المحكمة الزوج بتوفير سكن منفصل لطليقته الحاضنة لطفلين، أو دفع مبلغ شهري 2000 ريال بدلًا عن السكن، بسبب ضيق حالته المالية.
2. رفض سكن لمطلقة غير حاضنة
في الرياض، رفضت المحكمة دعوى مطلقة تطلب السكن، بعد أن ثبت أن الأب حضن الأطفال ووفّر لهم سكنًا، ولم يكن هناك مبرر لإلزامه بسكن آخر.
ثامنًا: التحديات العملية
رغم وضوح الأنظمة، إلا أن بعض المطلقات يواجهن تحديات مثل:
- تأخر إصدار الأحكام.
- صعوبة التنفيذ عند تهرب الزوج.
- ضغط المجتمع أو الأسرة على المرأة للقبول بأوضاع غير عادلة.
لذلك وفّرت وزارة العدل منصات مثل:
- تراضي: لتسوية الخلاف وديًا.
- ناجز: لمتابعة القضايا عن بُعد.
- مركز شمل: لتنظيم الزيارة والتواصل بين الأبناء والآباء المنفصلين.
تاسعًا: الدعم الحكومي للسكن بعد الطلاق
ضمن مبادرات تمكين المرأة، تُمنح المطلقة الحاضنة الأولوية في برامج:
- الإسكان التنموي.
- الإيجار المدعوم.
- قروض وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بشروط ميسرة.
عاشرًا: رؤية مستقبلية
من المتوقع مع تسارع إصلاحات القضاء السعودي أن:
- تُصبح جميع دعاوى السكن تُبت إلكترونيًا خلال أسابيع.
- يتم الربط بين وزارة العدل والإسكان لتوفير حلول مباشرة دون تقاضي.
- يُمنح قضاة التنفيذ صلاحيات أوسع في فرض السكن القهري للطرف الممتنع.
التوصية
تُعد مسألة توفير السكن للزوجة بعد الطلاق في السعودية قضية قانونية وإنسانية بالغة الأهمية، وقد عالجها النظام الجديد بمنهج واضح يوازن بين:
- حقوق الزوجة.
- مصلحة الأطفال.
- قدرة الزوج المالية.
والخلاصة أن الزوج ملزم بالسكن فقط في حال كانت الزوجة حاضنة لأطفاله أو لا تزال في العدة الشرعية، أما في غير ذلك، فلا يُلزم قانونًا بالسكن، وإن كان من باب المعروف والمروءة أن لا يُترك من كانت شريكة الحياة يومًا في مهب الحاجة.
الحادي عشر: موقف الفقهاء من السكن بعد الطلاق
انقسم الفقهاء حول مسألة إلزام الزوج بالسكن للمطلقة بعد الطلاق إلى آراء بحسب حالة المرأة ومكانتها:
1. المالكية والحنابلة
يرون أن المطلقة الحامل لها النفقة والسكن حتى تضع حملها، مستندين إلى قوله تعالى:
“وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن” [الطلاق: 6].
2. الحنفية
يرون أن الرجعية لها سكن ونفقة لأنها ما زالت في حكم الزوجة، أما البائن فليس لها نفقة ولا سكن إلا في حال الحمل أو الحضانة.
3. الشافعية
فرقوا بين المطلقة الحامل والبائن، وأكدوا وجوب السكن للحامل مطلقًا، أما غير الحامل فليس لها سكن.
وهذا ما انعكس على التشريعات المعاصرة، بما فيها النظام السعودي، حيث تم الأخذ بالرأي الراجح الذي يراعي مصلحة الطفل ويوازن بين الطرفين.
الثاني عشر: دور القاضي في تقدير السكن والبدل
يملك القاضي في المحاكم السعودية صلاحية تقدير الأنسب بين:
- السكن العيني: بأن يُلزم الزوج بتوفير شقة أو منزل فعلي.
- بدل السكن: وهو مبلغ شهري يكفي لاستئجار مسكن مناسب.
ويُراعي القاضي في قراره:
- دخل الزوج.
- عدد الأطفال.
- مكان الحضانة ومدى توافر السكن سابقًا.
- ما إذا كانت المطلقة تعمل أو تعتمد كليًا على الزوج سابقًا.
الثالث عشر: هل يمكن للمطلقة السكن في بيت أهلها؟
في بعض الحالات، قد يُعرض على المطلقة السكن في بيت أهلها، لكن هذا الخيار يخضع لضوابط:
- إن وافقت الزوجة على ذلك دون إكراه، فلا مانع.
- إذا كان السكن في بيت الأهل لا يُوفر خصوصية أو يؤثر نفسيًا على الأطفال، فالقاضي يرفضه.
- لا يُعتد بهذا الخيار في حال كان الزوج يستخدمه للتهرب من التزاماته المالية.
بالتالي، السكن مع الأهل ليس بديلًا عن السكن المستقل إذا لم يكن مناسبًا للحضانة.
الرابع عشر: السكن المشترك بعد الطلاق – متى يكون مسموحًا؟
في بعض الحالات، يعيش الزوجان المنفصلان مؤقتًا في بيت واحد (قبل انتهاء العدة أو لتأخر تنفيذ الحكم)، ولكن:
- في الطلاق الرجعي: يجوز شرعًا استمرار السكن في بيت الزوجية خلال العدة، بشرط الاحترام والخصوصية.
- في الطلاق البائن: لا يجوز شرعًا ولا قانونًا السكن المشترك إلا في حال عدم وجود بديل، ويُنظر فيه للقاضي.
وقد تؤدي هذه الحالة إلى مشكلات نفسية وقانونية، لذا تُوصي الجهات القضائية بالفصل السريع وتوفير السكن للمطلقة.
الخامس عشر: حلول بديلة لحالات تعذر السكن
إذا لم يتمكن الزوج من توفير سكن، تتيح الدولة عدة حلول للمطلقة، منها:
1. بدل السكن عبر المحكمة
تحكم المحكمة بمبلغ شهري ثابت بدلًا من سكن عيني.
2. التسجيل في الإسكان التنموي
تمنح وزارة الشؤون البلدية والأراضي والوحدات السكنية للفئات المستحقة.
3. المساعدات من الجمعيات
تقدّم الجمعيات دعمًا للأمهات المطلقات لتأمين سكن دائم أو مؤقت.
4. طلب دعم الإيجار من الضمان الاجتماعي
خاصة لمن ليس لديهن دخل ثابت.
السادس عشر: الأبعاد النفسية والاجتماعية للسكن بعد الطلاق
توفير سكن للمطلقة لا يُعد مسألة مادية فقط، بل هو أساس:
- الاستقرار النفسي للأبناء.
- حماية الأم من الحاجة أو التبعية.
- منع استغلال الزوج السابق للوضع لتضييق الحياة على الأم.
- تحقيق العدالة بعد الانفصال بطريقة حضارية وإنسانية.
وغياب هذا العنصر قد يؤدي إلى تفكك نفسي للأسرة وخلق بيئة غير آمنة للأطفال.
السابع عشر: حالات شهيرة من الواقع القضائي
1. قضية في الدمام (2023)
قضت المحكمة بإلزام الزوج بدفع 2500 ريال بدل سكن شهريًا لطليقته الحاضنة لطفلين، رغم اعتراضه بأن دخله ضعيف، وقد اعتُبر أن الحضانة أولى بالرعاية.
2. قضية في مكة
رفضت المحكمة طلب طليقة غير حاضنة سكنًا بعد الطلاق البائن، لعدم وجود مبرر قانوني رغم حالتها الاجتماعية الصعبة.
3. قضية في المدينة المنورة
أُلزم الزوج بتوفير سكن عيني خلال شهر، بعد ثبوت الضرر النفسي على الأطفال نتيجة بقائهم مع الأم في شقة ضيقة ببيت أهلها.
الثامن عشر: كيف تطالب المطلقة بالسكن خطوة بخطوة؟
- الحصول على صك الحضانة من المحكمة.
- تقديم طلب سكن عبر بوابة ناجز.
- تحديد نوع الطلب (طلب سكن حاضنة).
- إرفاق ما يثبت عدم وجود سكن مناسب.
- حضور الجلسة القضائية أو متابعتها إلكترونيًا.
- استلام الحكم وتقديمه للتنفيذ إذا لم يلتزم الزوج.
خاتمة
إن توفير السكن للزوجة بعد الطلاق، خاصةً إذا كانت حاضنة، لم يعد أمرًا اختياريًا بل حقًا قانونيًا وشرعيًا في السعودية. ويأتي هذا في سياق تطور النظام العدلي في المملكة، الذي يُولي الأسرة أهمية قصوى، ويحرص على:
- تمكين المرأة المطلقة من الحياة الكريمة.
- حماية الأطفال من آثار الطلاق.
- تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.
وقد أثبتت التجارب القضائية أن المحاكم السعودية باتت تحكم بسرعة وحزم في قضايا السكن بعد الطلاق، دعمًا للمرأة والأسرة. كما أن الدولة وفّرت شبكات حماية ودعم بديلة عند تعذر التزام الزوج.
في النهاية، السكن ليس مجرد جدران، بل كرامة واستقرار وإنسانية.