الفرق بين الطلاق الرجعي والبائن في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي

الفرق بين الطلاق الرجعي والبائن في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي يُعد الطلاق من أهم القضايا التي تناولها الفقه الإسلامي بتفصيل دقيق، وذلك لما له من تبعات اجتماعية، ونفسية، واقتصادية تؤثر على طرفي العلاقة الزوجية وعلى الأبناء والمجتمع ككل. وقد شرّع الإسلام الطلاق كحل أخير لإنهاء الزواج عندما تصبح العلاقة غير قابلة للاستمرار، ومع ذلك وضع له ضوابط دقيقة لضمان عدم التلاعب به، ولحماية حقوق الزوجين وخصوصًا المرأة.

في هذا السياق، برزت أنواع متعددة للطلاق وفقًا للحالة التي يقع فيها والآثار المترتبة عليه. ومن أبرز هذه الأنواع: الطلاق الرجعي والطلاق البائن، واللذان يمثلان تفرعين رئيسيين من أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية، وقد تم تبني هذه التصنيفات في النظام القضائي السعودي وتحديد الإجراءات المتبعة لكل نوع.

في هذا المقال، سنتناول الفروق الجوهرية بين الطلاق الرجعي والبائن من حيث التعريف، الأحكام الشرعية، الآثار المترتبة، والضوابط المعمول بها في المملكة العربية السعودية، بما يشمل النظام القضائي وتطبيقاته الواقعية في المحاكم الشرعية.

ابشر بعزك نحن في خدمتك
فقط املئ البيانات
وسوف نتواصل معك

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

أولاً: تعريف الطلاق في الشريعة الإسلامية

قبل التطرق للتفصيلات، من المهم الإشارة إلى تعريف عام للطلاق. فالطلاق لغةً يعني: التخلية أو الإرسال، أما شرعًا فهو: حل عقد الزواج بلفظ صريح أو كناية مع النية، من قِبَل الزوج أو من ينوب عنه.

وقد شرّع الإسلام الطلاق للحفاظ على مصالح الزوجين عند تعذر العشرة، قال الله تعالى:
“وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته” [النساء: 130].

وقد وردت أحكام الطلاق مفصلة في كتاب الله وسنة نبيه محمد ﷺ، وكذلك في اجتهادات العلماء والفقهاء الذين قسموا الطلاق إلى عدة أنواع بحسب الأثر الذي يترتب عليه، وكان من أهم هذه الأنواع: الطلاق الرجعي والطلاق البائن.


ثانيًا: تعريف الطلاق الرجعي والبائن

1. الطلاق الرجعي

هو الطلاق الذي يُجيز للزوج مراجعة زوجته خلال عدتها بدون عقد أو مهر جديدين، بشرط أن يكون الطلاق للمرة الأولى أو الثانية، وأن يكون الزواج قد تم الدخول فيه.
أي أن الزوج يستطيع أن يُرجع زوجته إلى عصمته دون إذنها أو رضاها، طالما كانت العدة قائمة، وهو ما يدل على أن الرابطة الزوجية لم تنقطع بالكامل.

قال تعالى:
“الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” [البقرة: 229].

ويُفهم من هذه الآية أن للزوج الحق في مراجعة زوجته مرتين، وبعدها إن طلقها للمرة الثالثة أصبحت بائنة منه بينونة كبرى.

2. الطلاق البائن

الطلاق البائن يعني الانفصال الكامل بين الزوجين، فلا يملك الزوج فيه حق الرجعة إلا بشروط. وهو نوعان:

أ. بائن بينونة صغرى:

ويقع في إحدى الحالات التالية:

  • الطلاق قبل الدخول.
  • الطلاق بعد الخلوة الشرعية بدون دخول.
  • الطلاق بعوض (الخلع).
  • الطلاق الرجعي الذي لم يُراجِع فيه الزوج زوجته حتى انقضت عدتها.

في هذا النوع، لا يجوز للزوج أن يُرجع زوجته إلا بعقد ومهر جديدين وبرضاها.

ب. بائن بينونة كبرى:

ويتحقق عندما يطلق الزوج زوجته ثلاث طلقات متفرقة، فلا تحل له إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره زواجًا صحيحًا، ويدخل بها ثم يطلقها.

قال تعالى:
“فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره” [البقرة: 230].


ثالثًا: الفروق الجوهرية بين الطلاق الرجعي والبائن

فيما يلي تفصيل دقيق للفروق بين الطلاق الرجعي والبائن:

المجالالطلاق الرجعيالطلاق البائن
الرجعةيجوز للزوج مراجعة زوجته في العدة دون عقد جديدلا تجوز الرجعة إلا بعقد جديد (صغرى) أو لا تجوز مطلقًا (كبرى)
العدةواجبة، وتبقى الزوجة في حكم الزوجةتختلف حسب نوع البينونة: قد لا تجب العدة (قبل الدخول) أو تكون عدتها كاملة لكن لا ترجع
الميراثترث الزوجة إذا مات الزوج أثناء العدةلا ترث الزوجة لأنه لا توجد علاقة زوجية قائمة
السكنى والنفقةتستحقها الزوجة أثناء العدةلا تستحقها الزوجة في حالات كثيرة، خصوصًا إذا كان الخلع برغبتها
العودة إلى العصمةدون رضا الزوجةبعقد جديد وبرضاها
الحكم الشرعييُفضل مراجعة الزوج إذا كان هناك أمل للإصلاحيعتبر نهاية للرابطة الزوجية، ولا يُشجع إلا للضرورة
أثره في عدد الطلقاتيحسب من الطلقات الثلاثيُحسب من عدد الطلقات (إلا الخلع فلا يُحسب طلاقًا عند بعض العلماء)

رابعًا: آثار الطلاق الرجعي والبائن على العلاقة بين الزوجين

آثار الطلاق الرجعي:

  1. بقاء الزوجة في بيت الزوجية:
    يجب على الزوج ألا يخرج زوجته من بيتها أثناء العدة، ولا يجوز لها الخروج دون عذر شرعي، لأن الرجعة لا تزال ممكنة.
  2. النفقة:
    تبقى الزوجة مستحقة للنفقة خلال العدة، لأنها لا تزال تعتبر في حكم الزوجة.
  3. الميراث:
    إذا توفي أحد الزوجين أثناء العدة، يرثه الآخر، لأن الزوجية لا تزال قائمة.
  4. الرجعة اللفظية أو الفعلية:
    يمكن أن تكون الرجعة بقول صريح مثل: “أرجعتك”، أو بالفعل كأن يجامعها بنيّة الرجعة.

آثار الطلاق البائن:

  1. انتهاء العلاقة الزوجية:
    بمجرد وقوع الطلاق البائن، تنقطع الصلة الزوجية، ولا يجوز للزوج معاملة زوجته معاملة الأزواج إلا إذا تم عقد جديد.
  2. النفقة والسكنى:
    لا تستحق الزوجة في الغالب نفقة أو سكنى، إلا إذا كانت حاملاً.
  3. انقطاع الميراث:
    لا ترث الزوجة المطلقة طلاقًا بائنًا حتى لو توفي الزوج بعد ساعة من الطلاق.
  4. ضرورة العقد الجديد:
    للرجوع في البينونة الصغرى، يجب وجود عقد زواج جديد بكامل شروطه.

خامسًا: التطبيق القضائي في النظام السعودي

أقر نظام الأحوال الشخصية السعودي الجديد – الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/73) بتاريخ 1443/8/15هـ – أحكامًا واضحة لتنظيم مسائل الطلاق بأنواعه المختلفة، وكان من بينها التفريق بين الطلاق الرجعي والبائن، وذلك لضمان حقوق الزوجة وشفافية الإجراءات.

إجراءات الطلاق الرجعي في السعودية:

  1. التوثيق الرسمي:
    يجب توثيق الطلاق في المحكمة المختصة، حتى لو كان رجعيًا، وفقًا لنظام المرافعات الشرعية.
  2. حكم القاضي غير مطلوب دائمًا:
    لا يشترط صدور حكم قضائي ما دام الطلاق تم بالإرادة الحرة.
  3. الرجعة:
    إذا أراد الزوج الرجوع إلى زوجته، يُفضل إعلام المحكمة بذلك.
  4. حق الزوجة:
    يمكن للزوجة الاعتراض على الرجعة إذا كان هناك أذى سابق.

إجراءات الطلاق البائن:

  1. إثبات وقوع الطلاق:
    يشترط تقديم دعوى رسمية أمام المحكمة وطلب إصدار صك الطلاق.
  2. في حال الخلع أو الطلاق ثلاثًا:
    تنظر المحكمة في ملابسات الطلاق لتحديد نوعه (خلع، بينونة كبرى، صغرى).
  3. تحديد الحقوق المالية:
    كالمهر المؤجل، النفقة، الحضانة، إلخ.
  4. تسجيل البينونة:
    يتم تسجيل الطلاق البائن ضمن نظام وزارة العدل السعودي لحفظ الحقوق وتوثيق العلاقة القانونية.

سادسًا: أثر الطلاق على الأولاد والحضانة

الفرق بين الرجعي والبائن يظهر أيضًا في مسألة الحضانة:

  • في الطلاق الرجعي: الأطفال يبقون في كنف الأسرة، وهناك فرصة للرجوع واستمرار الحياة.
  • في الطلاق البائن: تنشأ قضايا حضانة ونفقة، وقد يُطلب تدخل القضاء لتحديد الحاضن والزيارات.

وقد نص نظام الأحوال الشخصية في السعودية على أن الأصل في الحضانة هو مصلحة الطفل، مع إعطاء الأم الأولوية في حالات محددة.


سابعًا: الطلاق الرجعي والبائن من منظور الإصلاح الأسري

تُعد الشريعة الإسلامية من أعدل الشرائع في تنظيم العلاقة الأسرية. فقد جعلت الطلاق الرجعي فرصة للمراجعة والتأمل، حفاظًا على استمرارية الأسرة. أما الطلاق البائن، فقد جعلته كخيار نهائي، لا يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى.

وفي ضوء ذلك، تعمل هيئات الإصلاح الأسري في السعودية على محاولة الصلح بين الأزواج قبل إصدار الحكم القضائي، وهو ما يساعد في تقليل نسب الطلاق.


خاتمة

الفرق بين الطلاق الرجعي والبائن ليس مجرد اختلاف فقهي نظري، بل هو انعكاس مباشر لواقع العلاقة بين الزوجين، وما إذا كان هناك مجال للاستمرار أو لا. ويُعد هذا التقسيم أحد مظاهر رحمة الإسلام بالأسرة، وسعيه للحفاظ عليها ما أمكن، مع حماية حقوق كل طرف على حدة.

وقد سارت المملكة العربية السعودية على نهج الشريعة الإسلامية في تنظيم هذه الأحكام، فوضعت لها إطارًا قانونيًا واضحًا من خلال نظام الأحوال الشخصية المعتمد، والذي يكفل التوازن بين الحفاظ على الرابطة الزوجية وصيانة الكرامة والحقوق.

فهم هذه الأنواع من الطلاق بدقة يساعد الأزواج على اتخاذ قرارات واعية ومسؤولة، كما يُسهم في التقليل من النزاعات داخل المحاكم، ويمنح فرصة للإصلاح والبناء بدل الهدم والانفصال النهائي.

4 تعليقات

  1. […] مأخوذ من الإطلاق، وهو الإرسال والترك. واصطلاحًا هو: حل عقد النكاح بلفظ صريح أو كناية مع نية، وهو أحد الحقوق المقررة للرجل شرعًا، ويمكن للمرأة […]

  2. […] وتنقسم أنواع الطلاق في الفقه الإسلامي إلى عدة تقسيمات، منها التقسيم من حيث الحكم الشرعي، وهو ما سنركز عليه في هذا المقال، حيث يقسم الفقهاء الطلاق – باعتبار حكمه – إلى خمسة أنواع: الطلاق الجائز، الواجب، المحرم، المكروه، والمندوب أو المستحب. وسنخص الحديث هنا عن الأنواع الثلاثة التي تثير الجدل الفقهي والاجتماعي بشكل أوسع، وهي: الطلاق الواجب، والمحرّم، والمكروه، مع بيان تطبيقاتها ضمن النظام السعودي للأحوال الشخصية. […]

  3. […] في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل دور كل من الحمّامين والقضاة في الطلاق في السعودية، بدءًا من توثيق العقود وصولًا إلى الفصل في النزاعات، وسنوضح كيف يُسهم كل طرف في تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الأسرة. […]

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لطلب استشارة