الطلاق الواجب والطلاق المحرّم: دراسة فقهية قانونية في ضوء الشريعة والنظام السعودي

الطلاق الواجب والطلاق المحرّم الطلاق في الشريعة الإسلامية ليس فعلًا واحدًا بحكم واحد، بل هو تصرف تتغير أحكامه الشرعية بتغيّر مقاصده وأحواله وآثاره. فقد يكون مباحًا أو مستحبًا أو مكروهًا أو حتى محرمًا أو واجبًا. وهذا التنوّع يعكس مرونة الشريعة وعدالتها، حيث يتم تقويم الطلاق بحسب نتائجه وظروفه. ومن أبرز هذه الأحكام ما يسمى بـ الطلاق الواجب والطلاق المحرّم، وهما من أخطر أنواع الطلاق وأكثرها تأثيرًا على الأفراد والأسرة والمجتمع. وسنتناول في هذا المقال تحليلًا شاملًا لهذين النوعين من الطلاق من حيث التعريف، الأسباب، الأحكام، الموقف الفقهي، والمعالجة القانونية في السعودية.

ابشر بعزك نحن في خدمتك
فقط املئ البيانات
وسوف نتواصل معك

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

أولاً: مفهوم الطلاق الواجب والطلاق المحرّم

1. الطلاق الواجب

هو الطلاق الذي يأثم الزوج بتركه، ويُطلب منه إيقاعه شرعًا لرفع ضرر عن الزوجة، أو إزالة ظلم، أو تحقيق مصلحة معتبرة.

2. الطلاق المحرّم

هو الطلاق الذي يأثم الزوج بإيقاعه، لأنه يُخالف ضوابط الشريعة، سواء من حيث الوقت أو النية أو الوسيلة، أو لأنه يُستعمل في غير موضعه المشروع.


ثانيًا: مشروعية هذين النوعين في القرآن والسنة

1. مشروعية الطلاق الواجب

  • قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته [النساء:130]، أي إذا تعذرت العشرة وجب الفراق.
  • وقال تعالى: ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا [البقرة:231]، فالإمساك على وجه الضرر حرام، ويكون الطلاق هو الواجب.

2. تحريم الطلاق في بعض الأحوال

  • جاء في حديث النبي ﷺ عن عبد الله بن عمر حين طلق زوجته وهي حائض: “مره فليراجعها”، فدلّ على تحريم الطلاق في الحيض.
  • قال ﷺ: “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة”، فيُحرم الطلاق بغير مبرر.

ثالثًا: أسباب الطلاق الواجب

يقع الطلاق الواجب في عدة حالات، منها:

1. امتناع الزوج عن النفقة على زوجته دون عذر

إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته ورفعت أمرها للقضاء، وثبت تقصيره، يُمهل، فإن استمر، وجب الطلاق.

2. ثبوت الضرر الجسيم أو النفسي

كأن يُعنّف الزوج زوجته، أو يُهينها باستمرار، أو يحرمها من أبسط حقوقها الزوجية، فهذا ضرر يوجب الفراق.

3. حلف الزوج على عدم قربان زوجته (الإيلاء) ولم يرجع عنها خلال 4 أشهر

قال تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم [البقرة:226-227].

4. إصابة الزوج بمرض معدٍ أو مانع دائم من المعاشرة

إذا كان المرض يعيق الحياة الزوجية كليًا، ويستحيل معه استمرار العلاقة، وجب الطلاق إن طلبته الزوجة.


رابعًا: الطلاق المحرّم وأسبابه

1. الطلاق في الحيض

أجمع العلماء على أنه محرم لأن الزوجة في حال ضعف، وطلاقها حينئذ يطيل عدتها، ويخالف السنة.

2. الطلاق في طهر جامعها فيه

إذا جامعها في الطهر ثم طلقها فيه، وقع الطلاق محرمًا عند جمهور العلماء، لأنه قد يُفضي إلى طلاق امرأة لا يُعرف حال رحمها.

3. الطلاق البدعي المتكرر بلا سبب

كأن يُطلق الرجل زوجته ثلاثًا في مجلس واحد، أو يستخدم الطلاق للضغط النفسي والتهديد، فهذا محرّم لسوء النية وسوء الاستعمال.

4. الطلاق على وجه اللعب أو العبث

كأن يطلقها أمام الناس للمزاح أو كنوع من التأديب اللفظي، وقد ورد أن “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والعتاق، والنكاح”.


خامسًا: الفرق بين الطلاق الواجب والمحرّم

وجه المقارنةالطلاق الواجبالطلاق المحرّم
الحكم الشرعييجب إيقاعهيأثم فاعله
السببضرر أو تقصير من الزوجمخالفة شرعية في الطلاق نفسه
أثره القضائييُجبر القاضي الزوج على الطلاقيقع رغم الحرمة عند الجمهور
نية الزوجغالبًا لا يرغب لكن يُلزم بهيكون بإرادته لكنه غير مشروع

سادسًا: موقف الفقهاء من الطلاق الواجب والمحرّم

1. الحنفية

  • يرون أن الطلاق الواجب يكون في الإيلاء.
  • الطلاق المحرّم يقع لكنه يُأثم فاعله.

2. المالكية

  • يرون وجوب الطلاق إذا عجز الزوج عن حقوق الزوجية.
  • يرون بطلان الطلاق المحرّم إن خلا من نية أو شروط.

3. الشافعية

  • يوجبون الطلاق في حال تعذر العشرة.
  • يُجيزون وقوع الطلاق المحرّم لكنه حرام شرعًا.

4. الحنابلة

  • يُلزم القاضي الزوج بالطلاق إذا عجز عن النفقة.
  • يرون وقوع الطلاق المحرّم مع الإثم.

سابعًا: تنظيم النظام السعودي لهذين النوعين

1. الطلاق الواجب في النظام السعودي

  • المادة 80 من نظام الأحوال الشخصية تنص على فسخ الزواج إن لم ينفق الزوج.
  • المادة 93 تجيز للمرأة طلب الطلاق إن تعذر العشرة ووقع ضرر ظاهر.

2. الطلاق المحرّم

  • المحاكم السعودية لا تمنع توثيق الطلاق المحرّم إذا استوفى الشكل، لكن قد تُوجّه الزوج لإرجاع زوجته إن طلقها في الحيض.
  • لا يُعتمد الطلاق الصادر في حالات فقدان العقل أو الإكراه أو الغضب الشديد جدًا.

ثامنًا: أثر الطلاق الواجب والمحرّم على المرأة والأبناء

1. الطلاق الواجب

  • يُعيد للمرأة كرامتها ويرفع عنها الضرر.
  • يمنحها الحق في النفقة والمهر والمؤخر.
  • يفتح المجال للتعافي النفسي والاجتماعي.

2. الطلاق المحرّم

  • يُعتبر ظلمًا معنويًا.
  • يُؤثر على الأطفال من حيث الشعور بالاضطراب العائلي.
  • يُنتج آثارًا نفسية بسبب الطلاق المفاجئ وغير المنضبط.

تاسعًا: نماذج تطبيقية من الواقع

حالة 1: زوج لا ينفق ويهمل أسرته

رفعت الزوجة دعوى وأثبتت تقصيره، فحكم القاضي بإلزامه بالنفقة، فلما امتنع، أمر بالطلاق.

حالة 2: رجل طلّق زوجته ثلاثًا دفعة واحدة بعد مشادة كلامية

ثبت أمام المحكمة أنه طلاق بدعي، لكنه وقع شرعًا حسب المذهب الحنبلي، واعتُبر الطلاق بائنًا لا رجعة فيه.


عاشرًا: توصيات فقهية وقانونية

  1. ضرورة التثقيف الأسري قبل الزواج، لتجنب الوقوع في طلاق محرّم.
  2. تقوية دور لجان الإصلاح داخل المحاكم قبل الحكم بالطلاق.
  3. توضيح الأحكام في وثائق الزواج، ليعلم الزوجان متى يجب الطلاق ومتى يُحرم.
  4. تشديد العقوبات على من يُسيء استخدام حق الطلاق.

التوصية

الطلاق الواجب والطلاق المحرّم يمثلان طرفي نقيض في الأحكام الشرعية المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية. الأول يُعتبر أداة للعدالة ورفع الظلم، والثاني يُعدّ تجاوزًا للشريعة ومخالفًا لمقاصد الزواج. وبين هذين الحدين يتضح أن الشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق التوازن بين حفظ الأسرة ورفع الضرر، وأن النظام السعودي يواكب هذه الأحكام بدقة وعدالة. فهم هذه الأحكام يُسهم في وعي الأفراد بحقوقهم ويعزز استقرار المجتمع.

الحادي عشر: علاقة الطلاق الواجب والمحرّم بمقاصد الشريعة الإسلامية

إن الطلاق كأداة شرعية في يد الزوج لا يُقصد به الهدم بقدر ما يُقصد به الحل في حالات الانسداد أو الضرر. وقد شرعت الأحكام المتعلقة بالطلاق الواجب والمحرّم لحماية مقاصد الشريعة الخمسة، وهي:

1. حفظ الدين

فالطلاق الواجب يُلزم به الزوج في حال أهمل دينه وأساء معاملة زوجته، كما في حالات الإيذاء أو الإكراه على المعاصي، فلا يُمكن حينها أن تبقى الزوجة أسيرة علاقة تُفسد دينها.

2. حفظ النفس

حين يكون في استمرار العلاقة خطر على نفس المرأة من الناحية النفسية أو الجسدية، كما في حالات العنف الأسري أو الحرمان من أبسط الحقوق، فإن الطلاق يصبح واجبًا لصيانة النفس.

3. حفظ العقل

من أخطر نتائج الطلاق المحرّم أن يكون وسيلة من وسائل الإذلال أو الضغط العقلي المتكرر، مما يؤثر سلبًا على الطرفين، خصوصًا المرأة.

4. حفظ النسل

الطلاق الواجب قد يُعتبر وسيلة لحماية الأبناء من بيئة غير صحية، فينشؤون في جو مستقر بعيدًا عن مشاهد العنف والضرر. أما الطلاق المحرّم فقد يكون سببًا في تشتت النسل دون مبرر شرعي.

5. حفظ المال

قد يستعمل بعض الأزواج الطلاق المحرّم كوسيلة للتهرب من الحقوق المالية للزوجة، كأن يُطلقها فجأة دون توثيق أو أثناء فترة الحمل، وهو ما يناقض مقصد الشريعة في العدالة المالية.


الثاني عشر: مسؤولية العلماء والدعاة في توجيه الناس حول الطلاق

على العلماء أن يكونوا صوت العقل والرحمة في مسائل الطلاق، لا سيما الطلاق الواجب والمحرّم، وذلك من خلال:

  • نشر الوعي في المساجد والخطب والمحاضرات.
  • إصدار فتاوى تراعي الضرورات الاجتماعية والأسرية.
  • المشاركة في لجان الإصلاح الأسري.
  • تحذير الناس من التساهل في الطلاق أو استعماله بغير وجه حق.

الثالث عشر: الاجتهاد الفقهي المعاصر وأثره في الطلاق المحرّم

مع تطور الحياة وتنوع صور الطلاق، ظهرت مسائل معاصرة بحاجة إلى اجتهاد متجدد، ومنها:

1. الطلاق عبر الرسائل النصية أو تطبيقات التواصل

هل يقع الطلاق إذا أرسله الزوج عبر “واتساب” أو “رسالة نصية”؟ يرى كثير من العلماء المعاصرين وقوعه إذا كانت النية ثابتة والعبارة واضحة، لكنه يُعد تصرفًا غير لائق، وقد يدخل في دائرة الطلاق المحرّم إن صاحبه تهديد أو امتهان.

2. الطلاق في حالة الغضب الشديد

الغضب درجات، فإذا كان الغضب شديدًا يمنع التمييز، فإنه لا يقع، وقد يكون في حالات كثيرة من الطلاق المحرّم الذي لا يُعتد به شرعًا، وهو ما أقرّه بعض القضاة السعوديين.


الرابع عشر: شهادات من الواقع القضائي في المملكة

شهادة قاضٍ سابق في محكمة الأحوال الشخصية:

“في أغلب قضايا الطلاق التي تُعرض علينا، لا يكون الطلاق هو الحل الحقيقي، لكن في حالات قليلة نضطر إلى الحكم بالطلاق كواجب شرعي، حفاظًا على الزوجة وكرامتها، ونمنع أحيانًا توثيق الطلاق إن كان قد تم في حالة محرّمة.”

شهادة مستشارة أسرية:

“النساء لا يعرفن أن الطلاق أحيانًا يكون في صالحهن، بل قد يكون واجبًا. كما أن كثيرًا من الأزواج يطلقون دون علمهم أنهم يُقارفون طلاقًا محرّمًا يأثمون عليه.”


الخامس عشر: أثر النوعين على مستقبل العلاقة الزوجية

الطلاق الواجب:

  • عادة ما يُفضي إلى راحة نفسية للطرفين.
  • ينهي علاقة غير متكافئة بطريقة شرعية وقانونية.
  • قد يُبنى عليه مستقبل أفضل للمرأة مع شريك أكثر عدلًا.

الطلاق المحرّم:

  • يترك جراحًا نفسية.
  • يعمق الإحساس بالظلم.
  • قد ينتج عنه شعور بالذنب لدى الزوج إذا تاب لاحقًا.
  • يشوّه صورة الزواج في نظر الأبناء.

السادس عشر: آليات الحد من الطلاق المحرّم وتعزيز الطلاق الواجب في السعودية

1. تعزيز دور لجان الإصلاح الأسري

قبل النظر في دعاوى الطلاق، تُحال القضية إلى لجنة الإصلاح التي تُعقد فيها عدة جلسات لتقريب وجهات النظر، إلا إذا ثبت الضرر، فيُسرع بالحكم بالطلاق الواجب.

2. تدريب القضاة على فقه الطلاق المعاصر

القضاة في المحاكم الشرعية يتلقون دورات شرعية وقانونية في فهم أسباب الطلاق الشرعي، والتفريق بين الطلاق الواجب والمحرّم.

3. الحد من الطلاق العشوائي عبر التشريعات

نظام الأحوال الشخصية السعودي يمنع إثبات الطلاق إلا بحضور الطرفين وتوثيقه رسميًا، مما يمنع تسرع الزوج في الطلاق، خصوصًا إذا كان محرّمًا.


السابع عشر: تساؤلات فقهية مهمة حول الموضوع

هل الطلاق الواجب يقع ولو كره الزوج؟

نعم، لأن المصلحة تُقدّر بالمآل، فإذا حكم القاضي بفسخ النكاح، فيُعتبر طلاقًا واجبًا يُنفذ قهرًا عليه.

هل الطلاق المحرّم لا يقع؟

اختلف العلماء، فالجمهور يرون أنه يقع مع الإثم، وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوعه في حالات كالغضب أو الطهر المجامَع فيه أو الحيض.


الخاتمة

الطلاق ليس طريقًا للهروب، بل هو تشريع دقيق لا يجوز استخدامه بغير ضوابط. ولعل أعظم ما يميز الشريعة الإسلامية أنها تُراعي الحال والمآل، وتُفرّق بين طلاق يكون حماية ونجاة (الواجب)، وطلاق يكون ظلمًا وعدوانًا (المحرّم). وفي النظام القضائي السعودي، تجسدت هذه الرؤية الفقهية في أنظمة دقيقة تهدف إلى تحقيق العدالة الأسرية والاجتماعية، فكان القضاء أداة لضبط الطلاق لا لإطلاقه.

ولذلك، فإن فهم المسلم لمراتب الطلاق، من حيث الحكم الشرعي، يُعينه على استعمال هذا الحق بحكمة، فلا يُسيء استعمال الطلاق، ولا يُفرّط في إمساك يؤدي إلى الإضرار. وفي نهاية المطاف، فإن الطلاق كما يمكن أن يكون نهاية أليمة، فإنه قد يكون بداية رحيمة، إذا تم وفق ما شرع الله، لا وفق هوى النفس.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لطلب استشارة